مدخل إلى السنة الدراسية المطلة .. عثمان جدو
من نافلة القول أن أحدثكم أن التعليم هو حجز الزاوية في التنمية، وأن نجاح التعليم هو النجاح في كل المجالات، وأن الاستثمار فيه هو عين وروح الاستثمار؛
لقد تجاوزنا العام الماضي؛ أولى سنوات الدخول الفعلي في المدرسة الجمهورية، تلك الفكرة أو ذلك المصطلح الذي يراد منه أن يجلس أبناء موريتانيا على نفس الطاولات، يلبسون نفس الزي، يتلقون ذات الدروس، ويلتئمون تحت سقف واحد؛
ورغم كثرة المشككين في تجاوز إكراهات السنة الأولى فقد كانت النتائج جد إيجابية وأظهرت تفوقا لطلاب المدارس العمومية على غيرهم، وخاصة منهم المنحدرين من المناطق ذات الأولوية (المناطق الهشة) كما تحلو للبعض التسمية، وهذه المناطق بالذات هي التي شدد فخامة رئيس الجمهورية في آخر اجتماع للحكومة على ضرورة تذليل الصعاب أمام المنحدرين منها كي تستوعبهم مدارس الامتياز؛ وهنا نقول إنه من أجل أن تكون النتائج إيجابية ونتجاوز الملاحظات السلبية على بعض الحالات الفردية ذات الصلة؛ إنه من الممكن بل من الأفضل فتح مدارس امتياز في هذه المناطق ومرافقة أبناء هذه المناطق من أولى مراحل التعليم الأساسي، وبالتالي الانطلاق بفكرة الدمج في الامتياز من العتبة الأولى ومن ذات المحيط السكني مع مراعاة توفر كل الاشتراطات التي تضمن أداء مدرسة الامتياز لما يراد منها حتى يحصل التميز في حاضنة من ميزهم الفقر والعجز والتأخر العلمي في السابق، ويكون العمل على جودة المخرجات هو الهدف المنشود، وكلنا يعي جيدا أن ذلك ممكن، وكلنا يدرك أن مدارس الامتياز خاصة في مرحلة ما بعد الأساسية تتحرك بوقود المدارس العمومية الأخرى من خلال احتضان النجباء والمتفوقين من هذه المدارس.
إن من الأهمية بمكان الإسراع في تطبيق مخرجات وتوصيات القانون التوجيهي المنبثق عن التشاور الوطني العام؛ مركزيا وجهويا، وكان حدثا مشهودا تبلورت من خلاله كل النقاط الجامعة؛
ومن الملح جدا في هذا الصدد الإسراع في البدء الفعلي لتلقي التلاميذ في المرحلة الابتدائية الدروس المقررة في المواد العلمية باللغة الأم التي شكلت نقطة جامعة.
ومن الإجراءات العاجلة المهمة التي من شأنها تذليل الصعاب أمام الأهداف المرسومة لنجاح السنة الدراسية ضرورة تمكين التلاميذ من الكتب المدرسية وتوفيرها داخل المدارس وفق التوصيات التي خلصت إليها نتائج الورشة التشاورية المعقدة أخيرا بمباني المعهد التربوي الوطني، ويزاحم ذلك أهمية توفير وتعميم الدروس المحضرة على المدرسين؛ وفي ذلك إن توفر غنى عن الأدلة وعن التحضير الذي يتقاعس كثير من الممارسين عنه؛ ومن نتائج توفير هذه الدروس المحضرة؛ محو الفوارق بين المدرسين وجعلهم جميعا على عتبة القدرة والكفاءة المطلوبة في أحسن صورة.
وبخصوص التحويلات، فإن إجراءها وفق المعايير المحددة والتي كانت مؤشراتها المحددة في المقررات الصادرة مؤخرا محل إشادة وتثمين من الجميع سيكون لها بالغ الأثر الإيجابي لما يتولد عن الإنصاف في التحويلات من إرضاء يعزز جهد البذل الميداني مما يدفع بالعملية التربوية قدما.
ومن الضرورة التي تكتنز جم الإيجابية تفعيل الوثائق الروتينية من دفاتر تحضير تراعي التاريخ اليومي المحين، وتخطيط البرنامج بما يظهر المعارف المستهدفة كل أسبوع وما يتخللها من أنشطة تكسب المعارف الضرورية، وحضور هذه الوثيقة إلى جانب المدرس في الفصل إن لزم الأمر؛ ومن خلال هذه الوثيقة تظهر فترات التعلم المنتظم والإدماج والمراجعة والتقويم فذلك أدعى للسيطرة على المسار التربوي في كل فصل دراسي.
ثم إن احترام الجدول الأسبوعي المحدد لتقسيم الزمن يعد من الأساسيات المهجورة؛ والذي يجب أن يكون عليه الحال عند دخول أي مفتش للقسم أو أي جهة رقابية أو تأطيرية أخرى هو أن الدرس المحدد في الجدول يكون بالضبط هو الذي على السبورة وهذا التطابق يترتب عليه تنظيم وتناسق المسار التربوي وحتما يعطي النتائج المرجوة عند حصاد نهاية السنة الدراسية.
كما أن مراعاة الملصقات الجدارية في الأقسام وما تحمله من شحنة تثقيفية ومنبهات تربوية من الأمور المهمة جدا والتي يلاحظ غيابها كثيرا؛ فمن ينزل للميدان يدرك تباينا كبيرا في ذلك، ففي الوقت الذي تبهره بعض المشاركات والملصقات والعبارات التربوية الخادمة في بعض الأقسام؛ يتفاجأ في أماكن أخرى من التحلل التام من كل المشاهد المشابهة.
ولا يمكننا أن ننسى أن السنة الماضية شهدت تفعيلا حقيقيا للمدرسة الجمهورية؛ ومن مظاهر ذلك بعض المشاهد التي يستسهلها البعض وهي تحمل مغزى كبيرا ودلالة عميقة تجنى ثمارها التربوية مع تقدم الأيام والسنوات الدراسية؛ ومن ذلك رفع العلم الوطني صباحا ومساء على وقع إنشاد النشيد الوطني مع كامل الانتظام والانضباط، ومن ذلك تعميم الزي المدرسي إذابة للفوارق الاجتماعية ظاهرا على الأقل وأثناء الوجود في الحرم التربوي، وكذلك مواصلة الجهود التي تظهر حثيثة في تدعيم البنية التحتية محاربة للاكتظاظ القاتل للجودة التربوية.
ونشير إلى ضرورة حماية الوسط المدرسي ومحاربة المظاهر الهدامة للأخلاق سواء كانت تلك التي تظهر من شكل الحلاقة والاختلاط ودوام الاحتكاك أو التدخين داخل أسوار المدارس، أو تلك التي تكون أعمق وأخطر كالمخدرات، وروافد الانحراف الأخرى التي يعاني منها الطلاب أكثر من غيرهم فترة المراهقة.
ومن المفيد جدا إنعاش محاضرات أو ندوات (واحدة على الأقل كل أسبوعين متتاليين) خاصة في الاعداديات والثانويات، ومن المستحسن أن تكون مضامين هذه المحاضرات أو الندوات هي الجوامع الوطنية والمواضيع ذات البعد الشرعي؛ خاصة تلك التي تلامس الفترة العمرية الحساسة عند الشباب.
ومن أجل صمام أمان حقيقي للأخلاق وقطع الطريق على الإساءات التي حصلت في الماضي؛ وما صاحبها من جهالة تنبئ برقة في الدين، وجهل بالثوابت الشرعية، فإنه يلزم التفكير الجاد في جعل مادة التربية الإسلامية مادة ارتكاز في كل الشعب والتخصصات؛ ويراعى في المقررات طبيعة التخصصات، وطبعا سيكون لذلك وقع كبير على سلوك الدارسين في جميع مراحل حياتهم أثناء التحصيل الدراسي وتزامنا مع أداء الوظائف ومباشرة العمل؛
ونقترح في هذا الصدد أن يكون ضارب مادة التربية الإسلامية 4 في مرحلة الإعدادية و 5 في المرحلة الثانوية لجميع الشعب باستثناء شعبة الآداب الأصلية التي ينبغي أن تبقى على حالها.
أما فيما يتعلق بالظروف المادية والمعنوية للمدرسين؛ فمن الضروري إدراك أن واقع المدرسين صعب للغاية وبالتالي لا بد من زيادة الرواتب وتحسين العلاوات بشكل دائما كي يستطيع أن يواكب الارتفاع الصاروخ للأسعار والاكراهات اليومية الأخرى.