قول على قول النقيب بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
توب ريم : النقيب والعميد إبراهيم ولد أبتي يكثف مداخلاته هذه الأيام بعد سنة من الصمت، ويدعو لوجهات نظر قديمة لا علاقة لها بالقانون ولا بالوقائع ولا بالمنطق السليم. فما ذا حدث؟
يبدو أن ثلاثة أسباب رئيسة كانت وراء ذلك التجلي؛ وهي:
1. مدى مفاجأة الطعن بعدم دستورية المادة 2 من قانون مكافحة الفساد التي كان يتمترس وراءها القائمون على دعوى فساد العشرية الكيدية الباطلة بمختلف مشاربهم، وحكمت على أساسها المحكمة بما حكمت به من ظلم على الرئيس السابق. الشيء الذي أربك الساحة كلها وجعل النقيب يدعي تارة أن الطعن بعدم الدستورية لا يجري إلا أمام محكمة الأصل، ويقول أخرى إنه لا يتم إلا مرة واحدة في عمر القضية.. دون أن يلتفت إلى نص المادتين: 86 من الدستور، وتقول: “يخول المجلس الدستوري اختصاص التعهد في شأن دعوى بعدم الدستورية أثيرت أثناء محاكمة؛ وذلك متى دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي يتوقف عليه مآل النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور”. و 4 من القانون النظامي رقم 013/2018 وتقول: “يمكن لكل عارض أن يثير الاعتراض بعدم دستورية أي قانون أمام أية محكمة”! وحتى أنه ينسى أن مركزه كـ”طرف مدني” لا يسمح له بالخوض فيما “يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور”. ويفرض عليه غض الطرف عنها، وإقامة البينة على وجود ضرر، والمطالبة بجبره!
2. مدى خطورة هذا الطعن الذي كشف الغايات والأهداف البعيدة للقائمين على هذه الدعوى الكيدية الباطلة؛ وهو ما أثار الخوف الشديد لدى بعضهم من إمكانية قبولها. لا بسبب وجاهتها وتأسيسها الصارخ فحسب؛ بل بسبب كون المتشبثين بانطباق وتحكيم المادة 2 من قانون الفساد وإلغاء المادة 93 من الدستور، إنما يؤسسون ويهيئون للفوضى عموما، ولمحاكمة رئيس الجمهورية الحالي خصوصا؛ وهذا ما صرح به النقيب فقال: “أن محاولة عدم تطبيق قانون الفساد على الرئيس السابق ليست واردة في ظل مساءلة الرؤساء والوزراء في جميع أنحاء العالم إذا تجاوزوا صلاحياتهم”. (وهو من يقرر قيام حالة تجاوز الصلاحيات!). وما ذا عن النص الدستوري الصريح المادة 93؟ فهل سيبقى رئيس الجمهورية الحالي غافلا مغمض العينين مستسلما حتى يتم تجريده من سلاح المادة 93 من الدستور، ويساق، بصفته “وكيلا عموميا” من طرف أصدقائه الأعداء إلى محاكم التفتيش الانتقامية؟ أم هل يتصور أن يقبل رئيس المجلس الدستوري الموقر في آخر مأموريته ومساره المهني الحافل، أن يكون دمية يملي عليه النقيب إبراهيم ولد أبتي أن رئيس الجمهورية في نظام رئاسي هو “وكيل عمومي” ثم يوقع ويمشي؟!
3. مدى سقوط دعوى فساد العشرية، وما نجم عن ذلك من فشل وخيبة أمل!
لقد أصبح الجميع يدرك أن ملف فساد العشرية ليس ملفا قضائيا ولا قانونيا؛ بل ملف سياسي اختلقه النقيب وصحبه تحت مظلة سياسية واجتماعية وقضائية، ودعائية أيضا، يوم 25 أكتوبر 2020 في قصر المؤتمرات، وأسسوه على دعائم أربع هي:
o فساد ونهب وتبديد الرئيس السابق وصحبه لممتلكات الدولة (آلاف المليارات على الأقل، والحسابات الكبيرة في جميع بنوك العالم) ولقد انهارت هذه الدعامة. فلا النقيب الذي بناها وتبناها قدم عليها دليلا واحدا. ولا المحكمة حكمت بها حين برأت الرئيس من تلك التهم.
o دعامة ارتكاب الرئيس لأفعال إجرامية منفصلة لا علاقة لها بسلطاته وصلاحياته. وقد انهارت – هي الأخرى أيضا- حين لم تقم بينة على ارتكاب الرئيس لأفعال مجرمة أصلا؛ وحين لم يوجد للأعمال المنفصلة أساس في الدستور الموريتاني، ولم يجر حتى الآن استفتاء في موريتانيا يتبني الشعب بموجبه الأحكام الدستورية الفرنسية التي يتشبث بها بعض فقهائنا دونما دليل.
o دعامة كون رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي الموريتاني عون عمومي (ويقولها النقيب صراحة، ودون أي غضاضة) تحكم مركزه القانوني والقضائي المادة رقم 2 من قانون مكافحة الفساد! وهذه الدعامة الواهية هي التي أسس عليها بالباطل حكم المحكمة الباطل. وهي – لا محالة- في طريقها إلى السقوط والانهيار دستوريا وفقها وقانونا.
o دعامة التلفيق والتشويه والشيطنة والتزوير. ولقد تم الآن في عموم البلاد افتضاح تلك الأكاذيب، ولم يعد يصدقها أحد! خاصة في ظل ما جرى ويجري في البلاد من فساد لم يسبق له مثيل!
وإنه لمن الصعب جدا أن نتصور مدى الشعور باليأس والاحباط لدى مهندس عمل أربع سنوات في تشييد “إرم ذات عماد” من طوب، وأوهم رب العمل بأنها صرح من ذهب يحاكي في جماله وخلوده ونبل غاياته “تاج محل” وأن خيراته وبركاته سوف تعم أصقاع الدنيا.. وفجأة يخر بنيانه من القواعد وينهار! ولا يعود على الوطن منه سوى الخراب والدمار!
ونحن في عالم المحاماة في موريتانيا معرضون – إلا من رحم ربك- لإكراه تقديم تقارير وردية إلى زبنائنا، والرد على استفساراتهم التي لا ترحم! وهذا أمر مقرف حقا!