في تأبين معالي الوزير الأستاذ محمد فاضل ولد الداه (4) بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو
… وجرت الرياح بما لا تشتهي سفن الوطن!
“وانتبهنا بعد ما زال الرحيق ** وأفقــــــــنا، ليت أنا لا نفيق
يقظة طاحت بأحلام الكــرى ** وتولى الليل، والليل صـديق
وإذا [الحرب] نذير طـــــالع ** وإذا [الهم] مطل كالحــــريق
وإذا الدنــــيا كما نعـــــرفها ** وإذا الأحباب كل في طريق!”
… فبعد سنة واحدة من النصر المؤزر الذي حققه الشعب الموريتاني على الاستعمار الجديد والرجعية سنة 1974، عصفت حرب الصحراء المشؤومة بموريتانيا وبالمنطقة كلها! فانقلبت الفرحة حزنا، والوحدة فرقة واختلافا، والنصر هزيمة وتيها! وجاء انقلاب العاشر يوليو المقيت فقصم ظهر الوطن والدولة، وزرع أسباب الخراب والفساد والفوضى إلى يومنا هذا…
ومع ذلك، فقد بقيتُ وفاضلا على صلة وود.
وفي خضم ذلك المعمعان الصاخب المضطرب؛ وخاصة في فترة حكم الرئيس محمد خونه ولد هيداله، سجنتُ أنا ونفيتُ إلى تيشيت ثم باسكنو (تلمسي) وأصبح فاضل وزيرا.. فسفيرا في دول المشرق العربي!
إلى أن كانت خاتمة مساره المهني أن عين رئيسا لهيئة جائزة شنقيط العلمية؛ وهي وظيفة يقول الدكتور السيد ولد اباه – العارف به – في شهادته عنه إنه أحبها أكثر من الوزارة والسفارة، إذ كان “يستمرئ صحبة المثقفين والأدباء”. وقد كان في جميع محطات مسيرته المهنية الرجل المناسب في المكان المناسب!
وهنا أريد أن أوثق أبرز المناقب والخصال التي تحلى بها فاضل في حياته الحافلة، حسب إجماع من عرفوه، والمرء حديث بعده:
1. العفاف ولا غرو! فقد كان ذلك ديدنه وخلقه الذي فطره الله عليه، من جهة. فمن المؤكد أن ما تحلى به ابنه الوحيد صلاح الدين رحمهما الله من عفة وزهد سار بهما ركبان العالم الافتراضي بعد وفاته المفاجئة – وقد كانت الدنيا بين يديه وفي متناوله إذ هو أخو السيدة الأولى في موريتانيا- كان نابعا من تربية أبيه له بالمثال الحسن، فذلك الشبل من ذلك الأسد. ومن جهة أخرى، فإن نظام الرئيس محمد خونه ولد هيدالة – على جميع علاته – الذي صار فيه فاضل وزيرا، لم يتسم بالفساد. وقد شهدتُ له بذلك في مرافعتي عنه حين اتهم بالباطل في قضية “جراب” الكيدية سنة 2003. وهي مرافعة هتفت في نهايتها: “عاش الرئيس محمد خونه ولد هيدالة” رغم ما عانيته في حكمه من نكال! فحملت على الأكتاف في قاعة المحكمة! لقد قلت حرفيا – منذ إحدى وعشرين (21) سنة – في ختام مرافعتي تلك:
“الرئيس محمد خونا ولد هيداله،
تحدثوا كثيرا خلال هذه المحاكمة عن عهدك “البائد”!
حملوك أوزار غيرك، لأنك لا تحكم!
ولكن أين كان المرجفون يوم كنت؟ وما ذا فعلوا من أجل الوطن الذي يتباكون عليه اليوم؟
أكيد أن لك – كما لغيرك- أخطاء.
وقد اعترفت بأخطائك، وبشجاعة نادرة، في بيان ترشحك.
أنا وحابه ولد محمد فال وأمثالنا نملك وحدنا حق محاكمة عهدك اليوم. فلقد عارضناك إبان حكمك، ودفعنا ثمن ذلك غاليا!
لم نعارضك لعيب فيك؛ بل لعيب في النظام العسكري.
كنا نريد الديموقراطية الحقيقية.
نريد الأفضل.
نريد دولة مؤسسات.
نريد حكومة من خيارنا نحاسبها ويحاسبها برلماننا!
نريد حكومة تسوسنا بالحق والعدل، لا حكومة تدوسنا!
نريد حكومة تدبر لا حكومة تبذر!
فهل يستحق شعبنا ذلك؟
في عهدك، على علاته:
– كان الوطن آمنا، والدولة حاضرة،
– والوحدة الوطنية مصونة،
– والشيء العمومي محترما!
– لم تمد إليه يدك.. ولم تداهن العابثين به!
– كان الناس يشبعون!
– كان الفرنك الفرنسي يساوي أقل من 10 أواق، والدولار بأقل من أربعين أوقية!
– وكان القضاء والصحة والتعليم!
إن شهادتي لك شهادة متميزة. فلقد عارضتك إبان حكمك، ولم أكن من شيعتك في حملتك الانتخابية، ولا شك أني سأعارضك غدا بحثا عن الأفضل! ولعلك تعترف لي بهذا الحق.
فسلام عليك وعلى أصحابك الكرام.
وسلام على موريتانيا حرة ديموقراطية مزدهرة.
عاش الرئيس محمد خونا ولد هيداله”!