Uncategorizedالأخبارمقالات

المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية .. صمتُ العاجزين وصورةٌ باهتة لرأس الدولة

في بلد يعاني من ندرة الشفافية وغياب ثقافة الاتصال المؤسساتي، يتصدر المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية قائمة أكثر المؤسسات غموضًا ورتابة وضعفا وبلادة في الأداء؛ فبدل أن يكون هذا المكتب واجهة الدولة، الناطقة باسم الرئيس، والمعبرة عن رؤيته، والناشرة لمبادراته، والمدافعة عن قراراته، بات مجرد مكتب طباعة للبيانات المقتضبة، وعنوانا للفوضى البصرية والتواصلية.

بلادة إعلامية في زمن التفاعل ..

في عصر تقاس فيه هيبة الرئاسة بقدرتها على التواصل مع الشعب ومخاطبة العالم بخطاب مؤثر، يقبع المكتب الإعلامي في ركن النسيان، وكأن التواصل عبء لا ضرورة؛ فصفحات الرئاسة باهتة، مهجورة، وتغيب عنها المبادرات النوعية، والتقارير الميدانية، واللقطات المصورة بعناية، بينما تزدهر منصات رؤساء دول آخرين بالخطابات المدروسة بعناية، والفيديوهات المؤثرة، والرسائل الدبلوماسية الذكية.

غياب عن المعارك الكبرى ..

كم من مرة هوجمت فيها الدولة الموريتانية أو الرئيس، داخليًا أو خارجيًا، ولم نجد ردًا مقنعًا أو حتى ردًا على الإطلاق! كم من حملة تضليل ملأت الفضاء الرقمي، ولم يكلف المكتب الإعلامي نفسه عناء توضيح أو تفنيد! كأنما وظيفة هذا المكتب أن يكون غائبا عند الحاجة، حاضرا عند اللقطات البروتوكولية الباردة، بل إن جهات إعلامية خاصة وأفرادا تطوعوا لملء هذا الفراغ، بينما ظل المكتب نائمًا على أريكة التواكل.

قُصور بصري وخطاب جامد ..

صورة الرئيس لا تدار كما ينبغي .. لا زوايا مدروسة، ولا حضور لافت، ولا محتوى احترافي قادر على إثارة الانتباه أو حشد التأييد .. أما الخطاب الرسمي، فيكاد يكون مزيجًا من الرتابة الإدارية واللغة الخشبية؛ يفتقر إلى الحماسة والبلاغة والحمولة السياسية الدقيقة. وكأن من يُعدّ هذه الخطابات يعيش في دهاليز وزارة في سبعينيات القرن الماضي، لا في مكتب حساس تابع لرئاسة الجمهورية.

من مكتب في طور الولادة إلى مكتب ميت سريريًا ..

المنصفون يذكرون أن المكتب الإعلامي لم يكن دوما بهذا المستوى من الانطفاء. فالرئيس الأسبق للمكتب حاول -بإرادة حقيقية – أن يبعث فيه الروح، وداوم فيه ليلا ونهارا، واكتتب بعض أصحاب الكفاءات المشهود لها من الصحفيين والصحفيات، وبدا وكأن المكتب على وشك ولادة حقيقية، يتلمس خطواته الأولى نحو احترافية منشودة. لكن رئيس المكتب الذي حل محله والذي انصرف اليوم، حول ذلك الجنين الواعد إلى جثة هامدة، وأعاد المكتب إلى مرحلة العدم المطْبق، بل جعله ميتًا سريريًا، لا يُحرّك ساكنًا في لحظات الصخب، ولا ينبض في مواسم الصمت.

هل المشكلة في الأشخاص أم في الإرادة؟

لعل السؤال الأخطر هو؛ هل المكتب عاجز لأنه بلا كفاءات، أم أنه خاضع لتوجيهات تُجمده؟ هل المسؤولون فيه يفتقرون إلى المهنية، أم أنهم مجرد منفذين لسياسات “الجمود وعدم الظهور”؟ ومهما تكن الإجابة، فالنتيجة واحدة؛ فراغٌ إعلامي مقلق، وتواصل رئاسي مشلول.

ماذا نريد من المكتب الإعلامي؟

نريده أن يُحدّثنا .. أن يبادر .. أن يُنتج .. نريده أن يرافق الرئيس بالكاميرا والكلمة، لا أن يتبع خطواته كما يتبع الظل .. نريده أن يكون له عقل استراتيجي، وفريق محترف من المصورين، والكتاب، والمصممين، والمحللين .. نريده أن يردّ على الأكاذيب بحقائق، لا بالصمت .. أن يُدافع عن الدولة، لا أن يُسلّمها فريسةً للإشاعة والمبالغة.

خلاصة القول

المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، في صيغته الحالية، ليس إلا تمثالا بلا روح .. حضور خافت .. صمت مريب .. أداء كسول، ورؤية ضبابية. وإذا استمرت الأمور على هذا الحال، فإن الرئاسة -بكل رمزيتها وثقلها- ستظل هدفًا سهلًا للهجوم والتشويه، بلا حارس إعلامي يحمي صورتها، ولا صوت رسمي يضبط إيقاع النقاش الوطني.
والآن حان الوقت لنقول لأصحاب القرار: إما أن يُبعث هذا المكتب من موته السريري، أو فليُغلق .. فالفراغ أخف ضررًا من هذا العبث.
عالي محمد ولد ابنو

زر الذهاب إلى الأعلى