الحقل الثقافي يحتضر / الولي سيدي هيبه
إذا كانت التعاطي مع “السياسة” في مجمله رهين القوالب الاجتماعية العصية علي التغيير، فإنه لا يوحي لذلك في مجمله إلا بجانب نوايا أهلها الخاضعين لسلطان “مقاصد” المنظومة التقليدية بتركيبة نظامها ومقاسات سير أحوالها وتقلبات أمزجة أصحاب “الريادة” والحظوة فيها، الذين لا يرون في ذلك تعارضا مع متطلبات الدولة الديثة أو مساسا بالعمق الأخلاقي العام الناظم للأمة والذي يشكل الحاجز الطبيعي المانع من السقوط في مدارك “البهيمية” بأسوء أحوال وحشيتها، فإن الوجه الديني لبلاد “شنقيط”، كما كانت تعرفه به عند أهل السودان ومصر وبلاد الحجاز ونجد، لم يعد يلقى في الحاضر التزكية التي كانت بسبب هول المصاب الذي ألم بهذه المكانة والسمعة وشدة التبرم الحاصل عن أسباب إشراقة ذلك الوجه حتى غاب :
– التواضع الذي كان سمة “الشناقطة” الغالبة،
– والعفة عن الماديات التي كانت مضرب المثل،
– و”الهمة” العالية التي كانت تحول الليالي الحالكة إلى أنوار قنادلها “حسية” لا مادية وأقلامها “حافظة” الذاكرة لا العيدان والألواح والأحبار وقليل الكاغد الذي كان يصل بشق النفوس وبذل الغالي.
وأما الوجه الأدبي فقد مرغه “المدعون” والمتملقون في أوحال جهل العصر ومصائب العجز عن الالتحام به. فالشعر اليوم عنوان باهت بدأت :
-ألوانه تتلاشى،
– ونبض أوزان تحوره الخليلية يخفت،
وقد ندب لغير أغراضه السامية في مسرحيات رخيصة ومهرجانات مفتعلة وريعية واستعراضية بلا روح، فـ :
– تلوثت بحوره،
– وأهين عروضه،
– وتملقت قوافيه،
حتى ما عاد يهز ويطرب ولا كذلك يعلم الفروسية التوله العفيف ومكارم الأخلاق وبناء النفوص ورفع قواعد الأوطان.
ولأنه كما يقال “لا تأتي مأساة لوحدها”، فقد هان المسرحُ، على شاكلة مصاب الشعر، وتبلد أدب الواقع والخيال، وعم الجهل بأن الأدب يستمد، كما اتفق، أهميته من وقدرته على وصف الواقع والإضافة إليه، أي تجاوزه التحليل إلى استحضار القيمة المضافة، من خلال تقديمه نماذج متباينة من آليات التفكير، سواء على الصعيد الفردي أو في إطار المجتمعات، وذلك ضمن إطار أي حدث يكون، و الأدب الرفيع أو الكلاسيكي يوفر ما يعادل أعلى فرص التعليم وللفرد فرصة التعرف على العالم خارج إطار الذاتية، فيتنور فكره ويحصل على فرصة تقدير ومحاكمة الأشياء، من خلال منظوره المستقل وفهمه الثري للحياة.
فهل نشهد اهتماما جديدا ووعدا سريعا من رئيس الجمهورية بانتشال الوضع الثقافي مما هو فيه من تردي الأحوال وغياب الدور المنوط به ونضوب ينابيع الإبداع، كما حظي الإعلام بذلك فشكلت له لجنة تدارست نقاط ضعفه الكثيرة ورفعت منذ حين تقريرها لتباشر الدولة بعد الاطلاع عليه إجراءات التصحيح المنشود والتمكين للخبراء المهنيين من أصحاب المبادئ العالية والقيم الرفيعة والضمائر النظيفة الصاحية من رفع تحدي إصلاح قطاع تعيث فيه “مجموعات” لا مهنية أضاعته طيلة العشرية بتمالئها مع المفسدين وتغطيتها بلا حرفية لذلك الضياع وفي غياب صارخ لأي احترام لمساطر الإعلام الأخلاقية الرفيعة والمهنية المحينة على وقع مواكبة التطور الذي لا يعرف التوقف؟